[center]ثالثا : عناصر دراسة الأسلوب
يحتل أسلوب النص الأدبي أهمية عظيمة في تقويمه لأنه أداة الكاتب أو الشاعر للتعبير عن النفس، و أداة التواصل مع الآخرين كما أنه ميزة الأديب المبدع و علامته التي يعرف بها حتى قيل " الأسلوب هو الرجل "
اللغة : يتم تناولها من جانبين هما المفردات و العبارات
ـ / المفردات : نقرر ما تتصف به من جزالة و فخامة أي (متانة و قوة )، أو ما تتصف به من رقة و سلاسة و عذوبة و ربما كان للغة النص طابع علمي و أخرى طابعها فلسفي أو ديني.
ـ المباشرة و الايحاء : فاللفظة المباشرة هي التي تؤدي معناها دون أثر آخر أما اللفظة الموحية فهي التي تخدم عاطفة الأديب و تعبر عنها و بذلك تتجاوز مجرد تأدية المعنى و قد لا تكون اللفظة موحية و هي منفردة لكنها تؤدي ذلك في نسق الكلام.
ـ أهي لغة مألوفة أم غريبة : فالأصل في الأدب أن تكون ألفاظه مأنوسة و تعاب إذا كانت وحشية غريبة عن عصر صاحبها، أو مهجورة في الاستعمال الأدبي.
ـ / العبارات : ـ وضوح معانيها : ليس معناه سهولة الفكرة بل طريقة التعبير عنها فالوضوح مطلوب إذا وجدنا صعوبة في فهم النص بسبب التعقيد و الغموض في عباراته فذلك مما نلوم الأديب عليه ، يرى النقاد أن التأثير في الشعر للكلمات المفردة بينما هو في النثر للعبارات و الجمل.
ـ طولها و قصرها : فالعبارات الطويلة تناسب ميادين تحليل المواقف و الشخصيات و كل ما له صلة بالعقل لذلك تشيع في النثر بينما تلائم العبارات القصيرة ميادين التعبير العاطفي شعراً و نثراً.
ـ التوازن : و هو كون العبارة متساوية في عدد كلماتها في النص الواحد و هو ذو أثر موسيقي حسن و قد اشتهر به الأدباء الذين يتأنقون في أسلوبهم و يحرصون على عذوبة أدائه كالجاحظ من القدماء و طه حسين من المعاصرين.
ـ الترادف : و هو دلالة العبارتين المتجاورتين على المعنى نفسه.
ـ / الإيجاز و المساواة و الإطناب : ينطلق الأديب في إبداعه معتمداً على ذوق و حس نافذ دقيق بحيث يوجز و يختصر في مواضيع يناسبها الإيجاز و يتوسع و يطنب في مواضيع يناسبها الإطناب، و يجعل ألفاظه ثوبا مفصلاً على قدر معانيه لا تزيد عليها و لا تنقص عنها و تلك هي المساواة و لا بد لمن يتعرض لدراسة الأسلوب من فهم هذه الأنواع و الإشارة إليها.
ـ فالإيجاز هو اشتمال الألفاظ القليلة على المعاني الواسعة، و من الإيجاز " فن التوقيعات " و هي الجمل القصيرة ذات المعاني الكثيرة و قد اشتهر بها الخلفاء و الوزراء من أهل الفصاحة و قد ظهرت في العصر العباسي.
ـ و الإطناب هو زيادة اللفظ على المعنى لغرض ما كالتأكيد و لفت النظر و محاولة التأثير و الإقناع ، و التحسر ، أو الإيضاح أو التهديد و غيرها و يتحقق الإطناب بطرق مختلفة كالتكرار و الترادف و الجمع بين الإجمال و التفصيل أو العام و الخاص أو عن طريق الجمل الاعتراضية.
ـ أما التكرار فشائع في النصوص الأدبية و له أغراض مختلفة معنوية أو جمالية كما سبق بيانه.
ملاحظة : "قد تكون الزيادة في الألفاظ لغير هدف أو فائدة فهي حشو و ليس له قيمة أدبية، و المساواة هي التناسب التام بين الألفاظ و المعاني فهي وسط بين الإيجاز و الإطناب."
يتبع إن شاء الله
************************************************** *********************************
************************************************** ************************************************** *****
دور حروف المعاني : و المقصود بها حروف الجر و العطف و الشرط و الاستفهام و العرض و التحضيض و الاستثناء و الجواب و غيرها فالأديب المتمكن هو الذي يتفنن في استعمالها بحيث يجمع بين حسن تأثيرها في أداء المعاني التي يريدها و بين ما تفرضه قواعد اللغة و الفصاحة فتكون هذه الحروف روابط تشد أجزاء النص الأدبي إلى بعضها و تساهم في عملية التوصيل بين الأديب و القارىء.
ـ / البلاغة : ـ المعاني ـ
* تحديد الأساليب الخبرية و الانشائية و بيان الغرض الأدبي منها فإن كانت هناك عدة أمثلة من نوع واحد اكتفينا ببعضها أما كيفية معرفة الغرض الأدبي فتعتمد على أمرين فهم المعنى، و الظروف المحيطة بالمتكلم و المخاطب.
* الكشف عن سبب اعتماد الأديب على هذا الأسلوب دون غيره و نلفت نظرك إلى بعض التوضيحات حول غالب الاستعمال : فالأسلوب الخبري يناسب تقرير الحقائق سواءاً كانت علمية أو إنسانية كعناصر الفخر و الاعتزاز و المدح و الذم و الشكوى و التحصر و كذلك في الوصف و السرد و التحليل و الاستنتاج .
و يميل الأديب إلى الأساليب الإنشائية في أحوال مختلفة : فحالة الانفعال يناسبها النداء و التعجب و الاستفهام و عند النصح و الإرشاد و الدعاء و التمني يكثر الأمر و النهي و الرجاء.
و يشترك الخبر و الإنشاء معا لصنع الحوار كما في القصة و المسرحية.
* ملاحظة التقديم و التأخير و الكشف عن سببهما البلاغي ( ليس النحوي ) مع بيان أثرهما في الكلام و هو الاهتمام بالمتقدم و لفت الأنظار إليه
* تحديد مواضع القصر و بيان نوعه أحقيقي هو أم إضافي مع الإشارة إلى ان غرض الأديب من القصر هو إظهار أهمية المقصور عليه كقول المعري " المتنبي و أبو تمام حكيمان و إنما الشاعر البحتري " فقد جعل الشاعرية " المقصور " خاصة بالبحتري وحده " المقصور عليه "
ـ البيان ـ
* تحديد موضع الصورة البيانية بدقة و تسمية نوعها و ما يتعلق بها من تفاصيل و شرح الصورة، ثم بيان قيمتها يعني أ كانت صادرة عن عاطفة حقة أو أنها مجرد تلاعب بالألفاظ كما في قول شاعر يصف امرأة جميلة تساقطت دموعها على خديها و عضت أصابعها حزناً
و أمطرت لؤلؤأً من نرجس و سقت **** و رداً و عضت على العُنّاب بالبرد
ففي البيت 5 استعارات تصريحية فقد شبه الدمع بالؤلؤ و العيون بالنرجس و الخدود بالورد و الأصابع بالعُنّاب و الأسنان بالبرد و مما لا شك فيه هذه تزويقات متصنعة تعبر عن عبث الشاعر بالشعر.
* أثرها في المعنى : إذا كانت الصورة البيانية موفقة فإن لها تأثيراً هاما في تقوية المعنى و إبرازه و في التعبير عن عاطفة الأديب و إليك أمثلة توضح ذلك :
قال شوقي
و لقد تمر على الغدير تخاله **** و النبت مرآة زهت بإطار
و هو تشبيه تمثيلي شبه الشاعر فيه غدير الماء الصافي و قد أحاط به العشب من كل جانب بمرآة صقيلة يحيط بها إطار أخضر بديع و هي صورة موفقة استطاع الشاعر من خلالها أن يبرز لنا عمق الألوان و تناسق الأبعاد لأنهما يظهران بقوة في المساحة الصغيرة.
و قول الرصافي و هو يصف الأرملة المرضعة
حتى غدا جسمها بالبرد مرتجفا **** كالغصن في الريح و اصطكّت ثناياها
و هو تشبيه ضعيف لأن اهتزاز الجسم و هو يرتعد بالبرد قد يشبه يد المشلول مثلاً، أما الغصن فهو يتلوى و يتمايل بفعل الريح فالصورة غير موفقة.
و في الاستعارة المكنية قول إيليا أبو ماضي
قد سألت البحر يوماً هل أنا يا بحر منكا ؟
أصحيح مارواه بعضهم عني و عنكا ؟
أم تُرى ما زعموا زوراً و بهتاناً و إفكا ؟
ضحكت أمواجه مني و قالت لست أدري
هنا الشاعر يشخص البحر عن طريق الاستعارة المكنية و يجعل أمواجه حية تضحك من أسئلة الشاعر.
و من الكناية قوله تعالى : " وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً " الفرقان الأية 27
فعبارة (( يوم يعض الظالم على يديه )) كناية عن صفة الندم و أثرها في المعنى عظيم حيث لم تكتف ببيان ندم الظالمين يوم القيامة و إنما نقلته من شعور نفسي داخلي و خفي إلى علامة ظاهرة لا تخفى على أحد، و هي العض على الأيدي فصورت الكناية هذا الندم يملأ قلوبهم حسرة و يزيد على ذلك و يفضحهم أمام الخلائق.
ملاحظة : " يفترض أن تكون صور الأديب جديدة لم يسبقه إليها أحد، قد تأتي الصورة البيانية ( و التشبيهية خاصة ) لمجرد تقريب الفكرة و توضيحها، دون أي أثر عاطفي و ذلك في الموضوعات ذات الطابع العلمي كقول : " فالأرض التي نعيش عليها تشبه كرة "